" جبران إذن كان هو الوحيد الذي حظى بقلب قمر .. ولعل السر في ذلك أنهما كانا معاً من قماشة نفسية واحدة ، كلاهما رومانسي حتى النخاع ، كلاهما ينطوي على نفس شديدة الحساسية تستجيب لكل الفنون ، وتتعدد مواهبها نتيجة لذلك .. قراءة أي من أعماله تمنح القاريء زاداً روحياً يساعده على التأمل واستصفاء صدره ، وفرز مشاعره ذلك أن كتابات جبران بوجه عام تقدم لك المجهر الذي يريك دفائق المعاني مجسدة واضحة ويقرب البعيد منها
وقاريء جبران خليل جبران يدمنه ، ويتعاطاه بشغف رغم ما في كتاباته من مقلقات : إن أدب جبران ليس نوعاً من المخدرات التي قد تنعش متعاطيها للحظات ثم يزول أثرها مخلفة احتياجاً ملحاً لها .. لا .. وإنما يدمنها القراء لأنها كتابات غنائية، تنطلق من هموم الذات لتتحول إلى موضوع يلتقي عليه الكثيرون ، وهذا الأدب محبوب أبداً لدى القراء لأنه نوع من مناجاة النفس ، نوع من البوح ، والمكاشفة ، والممازجة . بقدرة الكاتب الفذة على التواصل تنتقل همومه الكبيرة إلى قارئه وإن كان صغيراً ، فمهما كان القارئ محدود الثقافة لابد يجد ما يمتعه ويحرك خياله ويستنفر قدراته ويستنفر مداركه . وكلما عمقت القراءة ، أدركت ما في أدب جبران من ثورة متأججة ، ثورة على التقاليد ، وعلى الأنماط والنمطية ، وعلى الأفكار البالية ، وعلى النظم السياسية المتسلطة ، والقوانين العرجاء ، والأحكام الجائرة